من مقصلة الفساد الى سوء التخطيط!

عرف العراقيون بشكل يقين الان ان بلدهم الذي استباحته ودمرته الديكتاتورية والحروب المهولة المتلاحقة والحصار والاحتلال ومن ثم الحكومات المتعاقبة التي حكمته بعد عام 2003. لا يتمكّن من استعادة مكانته ودوره الدولي و الاقليمي بهذه البساطة والسهولة في ظل حكومة ضعيفة عاجزة لا تستطيع توفير لقمة العيش للمواطن البسيط رغم كل الخيرات والقدرات والكفاءات الموجود لديه لغياب الاسس الصحيحة للادارة ،و من خلال وضع اسس صحيحة لأن غياب التخطيط يؤدي إلى التخبط والعشوائية في اتخاذ القرارات والتي تكون غير مدروسة، وبالتالي فإنها تنعكس سلبيا على الإنفاق والأداء الاقتصادي بشكل عام ، ومن هنا تأتي أهمية التخطيط العلمي المدروس وأخذ آراء العقول المتخصصة من قبل الحكومة ومجلس النواب العراقي الذي يفتقر لها وإمكانياتهم وقدراتهم في الاعتبار عند وضع الخطط ، حتى تتحقق الأهداف المرسومة، وتسهم بالفعل في الإسراع بعملية التنمية بالدولة، من خلال الأجهزة والجهات المختصة واستراتجيات تتضمن كافة العناصر التي تشكل الاقتصاد الوطني وإن كان للقطاع العام الدور الأكبر في أية خطة ، فإن للقطاع الخاص والجماعات والعائلة والأفراد أدوارا لا تقل أهمية وتتضمن كذلك تحليل واقع العجز والدين مع التركيز على اجراءات السياستين النقدية والمالية المتخذة اتجاه العجز في الموازنات العامة ، ومن ثم تحليل الاليات التي مولت هذا العجز وخلال فترتين،الاولى للمدة 1990-2003 والثاني 2004-2019 م التحليل المفصل لأثر هذه الاليات على المتغيرات النقدية في العراق ، و التركيز على اهمية التنسيق بين السياسة النقدية والسياسة المالية وخاصة في ظل الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد العراقي والتي كان يجب الاخذ به قبل الوقوع في هذه الازمة ،و ترى ان المسؤول بدون مبالاة يصرح بكل صلافة ان العجز الحالي هو عجز مؤقت رغم احراج المواطن امام عائلته وهتك حرمته ، كيف يكون العجزبسيطا ولا يستطيع تمويل رواتب الموظفين الذي تأخرت الحكومة في دفعها أكثر من 46 يوما.. طيب اين الفائض في ألأقتصاد الذي يحجز جزء من الدخل القومي لحين ان تضطر اليه الدول لسداد عجزها مثلما الزمت الدول بتكوين فوائض في موازناتها للسنوات لسداد المديونية القادمة ، ونحن وبلدنا يعتمد على النفط فان الفائض الذي يتحقق نتيجة ارتفاع اسعار النفط ، في هذه الحالة ، ويكون حجم ألأنفاق بمستواه .

ان ألأيرادات في ألأقتصاد ألأعتيادي تعكس مستوى ألأنتاج و التشغيل وهي متناسبة مع بقية متغيرات ألأقتصاد الكلي و عليه ينظر الى العجز أو الفائض بأنه تجاوز للتناسب الذي يحفظ ألأستقرار. و لكن في ألأقتصاد النفطي ليس للأيرادات هذه الدلالة فيتطلب ألأمر معايير الاخرى بالعقلنه في المالية العامة،و خاصة العراق من البلدان التي تعاني من العجز الشديد في موازنته العامة ؛ بسبب النفقات العسكرية والخدمية ،مع انخفاض اسعار النفط ،وهذا يتطلب تخفيض الانفاق الحكومي والبحث عن مصادر تمويلية ، واتباع الاليات الحديثة من اجل تخفيض العجز في الموازنة الحكومية مع الاخذ بأهمية الاثار المترتبة على المتغيرات النقدية. الا يرى هذا النائب المسؤول ان كرامة المواطن الذي يعتاش على راتبه مهدورة و مهددة نتيجة القروض التي تثقل كاهله وكاهل الاجيال القادمة اين هي الحكومة من التخطيط المبكر لكي لا يقع المواطن بكل سهولة في فخ العوز هل هكذا ينظر الى المواطنة من خلال المناكفات والمنازعات والتصارع على المزايدات من اجل الكسب لكتلة وحزب وعشيرة المسؤول. وقد ينفجر المواطن العراقي من شدة البؤس المتعاظم والعجز والفشل والتسيب على كل المستويات، من الكمّ الهائل من البشر الذين تنبذهم دورة النهب هذه،التي قادتها كتل صغيرة، مذهبية ومناطقية وقبلية، وبأجنحة حامية. اخرى ، وكأن البائسون ليسوا من مذاهبهم ولا من عشائرهم ولا من مناطقهم لا بل ليسوا من منطقة من مناطق العراق بعينه ولا هم الأغلبية التي لا تجد عملاً، والأغلبية الساحقة المحرومة من الخدمات الإنسانية الأساسية: التعليم والصحة والسكن والكهرباء و.. الأمان.ولا يشكون المواطن فحسب من سوء الادارة فقط انما من كيفية التقاسم رجال السلطة السرقات المنهوبة وأحجامها، وباب للنزاع الدائم على النِسب، الرجراجة المستمرة وتوضع القوانين حسب تلك النسب واخرها قانون الاقتراض الذي اصدره مجلس النواب و يتيح للحكومة اقتراض نحو 18 مليار دولار من الداخل والخارج، من المؤسسات المالية الدولية والبنوك الأجنبية لتمويل النفقات العامة لسد العجز المالي في البلاد بعد مشاورات طويلة مع الحكومة على حساب المواطن الذي يدير الدولة من اجل خدمة الوطن والحصول على لقمة خبز لعياله ، وان القانون وضع على اساس لإطلاق النهب الصريح الذي يستند إلى منطق المحاصصة نفسه، ويعمِّم الفساد بواسطته. ان ظاهرة العجزفي الموازنة قد رافقت موازنات كل السنوات السابقة لحد أصبح فيها من بديهيات السياسة المالية للحكومات المتعاقبة، ويمكن ملاحظة مسودة موازنة عام 2020 كنموذج و الزيادة الحاصلة في حجم العجز المخطط، فبعد أن قدر ب 12,5 تريليون دينار في موازنة عام 2018 ونجد إن هذا الرقم قد ارتفع في تقديرات السنة المالية القادمة ليبلغ 40,8 تريليون بالرغم من ارتفاع أسعار النفط عالمياً من جديد بعد هبوطة خلال الاشهر الماضية والذي تمثل في ارتفاع تقدير معدل سعر برميل النفط حيث بلغ 44 دولار اليوم وانا اكتب المقال بعد أن كان 46 دولار في عام 2018 مع معدل تصدير ثابت بلغ 3,300 مليون برميل يومياً، وما يمكن أن يمثله ذلك من زيادة فعلية في حجم الإيرادات النفطية للدولة لدعم الميزانية وتقليل نسبة العجز فيها والذي من المتوقع ارتفاعة اكثرويصل الى 50 دولارللبرميل الواحد خلال الشهرين القادمين…

 

بقلم: عبد الخالق الفلاح

اذاعة المعارف